
قال رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني الاثنين إن روسيا تُشكل تهديدا مباشرا وإن “السلام البارد” الحالي مع الاتحاد الأوروبي قد يتحول في أي لحظة إلى “مواجهة حامية”، وتزامنا وجه جهاز المخابرات الداخلية البريطاني (إم.آي 5) تحذيرا علنيا نادرا لأعضاء البرلمان باحتمال استهدافهم من جواسيس من الصين وروسيا وإيران في محاولة لتقويض الديمقراطية في البلاد.
وأكد مارتن ييغر رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني (BND)، أمام النواب أن روسيا عازمة على توسيع نطاق نفوذها غربا نحو أوروبا.
وقال ييغر، الذي تولى قيادة الجهاز الشهر الماضي، في إحاطة عامة أمام أعضاء البرلمان في برلين “لتحقيق هذا الهدف، لن تتردد روسيا في الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع حلف شمال الأطلسي إذا اضطرت”.
وانضم إلى ييغر قادة أجهزة الاستخبارات الداخلية والعسكرية الألمانية. ورغم أنهم ذكروا تهديدات أخرى تواجهها ألمانيا، مثل التطرف السياسي والديني، إلا أن روسيا هي التي هيمنت على كلماتهم.
قال ييغر إن ألمانيا هي “الهدف الأول لروسيا في أوروبا”، لأنها أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي وتؤدي “دورا قياديا في دعم أوكرانيا”.
تأتي التحذيرات بعد سلسلة أحداث شهدتها دول في الاتحاد الأوروبي، تشمل اختراق طائرات مسيّرة روسية لأجواء بولندا واختراق مقاتلات روسية المجال الجوي الإستوني.
في ألمانيا يشتبه بوقوف روسيا وراء اختراق مسيّرات أجواء البلاد، بما في ذلك حالات استدعت تعليق الرحلات في مطار ميونيخ. وتشتبه السلطات أيضا بتدبير روسيا حملات تخريب وتضليل إعلامي.
وأكد ييغر الذي شغل سابقا منصب السفير الألماني في كييف، ما قاله رؤساء أجهزة استخبارات آخرون تحدثوا الاثنين، مؤكدا أن طموحات روسيا وعدوانها لا يقتصران على الحرب في أوكرانيا.
قال ييغر “ينبغي ألا نجلس مكتوفي الأيدي ونفترض أن هجوما روسيا محتملا سيحدث في 2029 على أقرب تقدير” في إشارة إلى تقييم استخباراتي سابق.
وشدد قائلا “نحن نتعرض لهجوم بالفعل”.
واضاف أن “الوسائل التي تستخدمها موسكو معروفة جيدا، محاولات التلاعب بالانتخابات والرأي العام، والدعاية والاستفزازات والتضليل الإعلامي والتجسس والتخريب وانتهاك المجال الجوي بمسيرات وطائرات مقاتلة، والقتل المأجور واضطهاد شخصيات المعارضة المقيمة في الخارج”.
من جهته شدّد الرئيس الجديد لوكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية (BfV) سنان سيلين على أن اختراقات المسيّرات تسلّط الضوء على “التهديد الهجين” المحتمل لألمانيا وحلفائها الأوروبيين.
وبعد أن وصف السلوك الروسي بأنه “تصعيدي بشكل متزايد” قال إن “روسيا تسعى بقوة لتحقيق طموحاتها السياسية ضد ألمانيا والاتحاد الأوروبي وحلفائها الغربيين”.
وأوضح أن الأجهزة الروسية تعدل باستمرار مستويات تصعيد أنشطتها بهدف استراتيجي يتمثل في إضعاف الديموقراطيات الليبرالية. ونتيجة لذلك، نرصد مجموعة واسعة من عمليات التجسس والتضليل والتدخل والتخريب والهجمات الإلكترونية التي تُنفّذها جهات ودول أجنبية في ألمانيا”.
وعلى غراره، قال ييغر إن وكالته لاحظت زيادة واضحة في محاولات قوى أجنبية “التأثير على السياسة الداخلية الألمانية وصنع القرار الحكومي” لكنه أضاف أن الجواسيس الروس يعملون بطرق “تجعل من الصعب جدا تتبّعهم وتحديد هويتهم”.
تواجه الاستخبارات الألمانية صعوبات في التصدي للتهديد الروسي المتزايد. ويعد مشرّعون تعديلا شاملا للتشريعات المنظِّمة لعمل أجهزة الاستخبارات، لمنحها قدرات أكثر ملاءمة.
شدّد رئيس لجنة الرقابة، النائب المحافظ مارك هينريخمان على أن هذه الإصلاحات يجب أن تشكّل “أولوية”، داعيا في الوقت نفسه الوكالات إلى الاضطلاع بالمسؤولية.
وأضاف أن موسكو مصممة على ما يبدو على تقويض حلف الناتو وزعزعة استقرار الديموقراطيات الأوروبية.
أما نائبه، عضو البرلمان كونستانتين فون نوتس المنتمي لحزب الخضر، فقال إنه يتعيّن على السلطات أن تطلع العامة بشكل أفضل على حجم المخاطر وشدّتها.
مشيرا إلى أمثلة على تخريب السكك الحديد واختراق طائرات مسيّرة للمجال الجوي وعمليات تأثير في الانتخابات عبر الإنترنت، دعا فون نوتس إلى “توثيق كل ذلك” وإطلاع العامة عليه.
وتابع “نحتاج إلى تقرير شهري من أجهزة الاستخبارات” لكي يدرك الشعب الألماني الموقف.
تجسس في بريطانيا
وجه جهاز المخابرات الداخلية البريطاني (إم.آي 5) تحذيرا علنيا نادرا لأعضاء البرلمان الاثنين باحتمال استهدافهم من جواسيس من الصين وروسيا وإيران في محاولة لتقويض الديمقراطية في البلاد.
ويأتي التحذير بعد أسبوع من إعلان ممثلي الادعاء العام اضطرارهم للتخلي عن محاكمة رجلين بريطانيين متهمين بالتجسس على أعضاء البرلمان لصالح الصين وأرجعوا القرار إلى أن الحكومة البريطانية لم تقدم أدلة تثبت أن الصين تشكل تهديدا للأمن القومي.
وحذر إم.آي 5 السياسيين وموظفيهم من جواسيس يسعون إلى انتزاع معلومات منهم عن طريق الابتزاز أو هجمات التصيد الاحتيالي، أو إقامة علاقات وثيقة وطويلة الأمد معهم، أو تقديم تبرعات للتأثير على قراراتهم.
وقال كين مكالوم المدير العام لجهاز إم.آي 5 “عندما تسرق الدول الأجنبية معلومات حيوية من بريطانيا أو تتلاعب بعملياتنا الديمقراطية، فإنها لا تضر بأمننا على المدى القصير فحسب، بل تقوض أسس سيادتنا”.
وحث الجهاز السياسيين على “تتبع التفاعلات الاجتماعية الغريبة”، بما في ذلك الطلبات المتكررة للقاءات الخاصة، وتوخي الحذر إذا كان هناك “تملق علني”.
وفي التصريحات المصاحبة للنصيحة الموجهة لأعضاء البرلمان، قال مكالوم “كل شخص يقرأ هذا التوجيه يهتم بشدة بالدور الذي يؤديه في ديمقراطية بريطانيا. اتخذوا إجراءات اليوم لحمايتها، وحماية أنفسكم”.
وفي يناير كانون الثاني 2022، أرسل جهاز المخابرات الداخلية إشعارا تحذيريا بشأن المحامية كريستين لي، قائلا إنها “متورطة في أنشطة تدخل سياسي” في بريطانيا نيابة عن الحزب الشيوعي الحاكم في الصين.
وعمم رئيس مجلس العموم التحذير على المشرعين وقال إن جهاز إم.آي 5 وجد أن لي “سهّلت التبرعات المالية للبرلمانيين العاملين والطامحين في البرلمان نيابة عن مواطنين أجانب مقيمين في هونج كونج والصين”.
وفي وقت لاحق، رفعت لي دعوى قضائية على جهاز المخابرات الداخلية في محاولة لتبرئة ساحتها، لكنها خسرت القضية.
ورغم سعى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى تبديد الجمود في العلاقات مع الصين منذ توليه منصبه العام الماضي، تبادلت لندن وبكين مرارا اتهامات بالتجسس، إذ حذرت أجهزة الأمن البريطانية من محاولات الصين اختراق مجتمعاتها السياسية والتجارية.
وفي حالة المحاكمة التي تم التخلي عنها في الآونة الأخيرة، قالت السفارة الصينية في لندن في بيان “أكدنا منذ البداية أن الادعاء بأن الصين أصدرت تعليمات إلى الأفراد البريطانيين المعنيين بسرقة معلومات مخابراتية بريطانية هو افتراء ملفق ومغرض تماما، وهو ما نرفضه بشدة”.
المعارضة تتهم الحكومة “بالتدخل”
وتصاعدت الضغوط على الحكومة البريطانية الاثنين بعد أن اتهمتها المعارضة المحافظة بإحباط محاكمة رجلين يشتبه في تجسسهما لصالح الصين من أجل حماية علاقاتها مع بكين.
وأعلن المدعون العامون في إنكلترا وويلز منتصف أيلول/سبتمبر إسقاط تهم نقل معلومات إلى الصين عن كريستوفر كاش وهو مساعد برلماني يبلغ 29 عاما، وكريستوفر بيري وهو مدرس سابق في الصين يبلغ 32 عاما.
أوقف الرجلان عام 2023، وتمت إحالتهما على القضاء بموجب “قانون الأسرار الرسمية” الذي يحظر كشف أسرار الدولة أو معلومات قد تهدد الأمن القومي.
وأثار إسقاط التهم انتقادات شديدة من داخل صفوف الغالبية العمالية والمعارضة في البرلمان، وحتى من جانب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
إلى ذلك، حضّت زعيمة المعارضة المحافظة كيمي بادينوك الاثنين رئيس الوزراء أو أحد أعضاء حكومته على المثول أمام البرلمان “لتوضيح الأمور، مرة واحدة وإلى الأبد”.
وكتبت بادينوك في رسالة إلى رئيس الوزراء كير ستارمر “هذه القضية تعطي انطباعا قويا أن حكومتك أضرت بالأمن القومي للمملكة المتحدة لأنك ضعيف إلى درجة لا تستطيع فعل أي شيء آخر غير استرضاء الصين”.
وتصاعد الجدل بعد أن قال مدير النيابة العامة ورئيس دائرة الادعاء العام ستيفن باركنسون إن مكتبه لم يحصل على معلومات حيوية معينة من الحكومة ليتمكن من متابعة القضية.
وأوضحت النيابة العامة أن نجاح القضية كان يتطلب أدلة لإثبات أن المتهمين كانا يتصرفان لصالح “عدو” وأن الصين تشكل تهديدا للأمن القومي، وهي أدلة لم تقدمها الحكومة.
وكتب باركنسون في رسالة إلى لجنة برلمانية “لم تقدم الحكومة أي دليل يشير إلى أن الصين كانت وقت وقوع الأحداث تشكل تهديدا للأمن القومي”.
تتهم المعارضة حكومة ستارمر بمحاولة استرضاء الصين في إطار سعيها إلى تعزيز التجارة معها على أمل دفع النمو الاقتصادي في بريطانيا.
وقد زار خلال عام عدد من الوزراء البريطانيين الصين، منهم وزير الخارجية السابق ديفيد لامي، ووزيرة الخزانة راشيل ريفز.
وفي مواجهة هذا الجدل، نفت الحكومة أي تدخل في القضية.