
يا له من مدّعٍ للعلم والحياد، وهو في الحقيقة تافه أخلاقي وسياسي. من يعلّمنا «برودة العقل» بينما عيناه مصابتان بعينَيْ من يرى في الانبطاح استراتيجية، لا يستحق سوى التهكم.
التشهير بالمقاومة وتحويلها إلى مادة لمحاضراتٍ خاوية عن التاريخ والشعور هو فعلٌ من أفعال الضعف، وليس من فعل النُّبل أو العلم.
هو ليس ناقداً — هو متسوّل شرعنة الهزيمة، ومرتع للمطبعين الذين ينتظرون ذريعةً لِتطهير ضمائرهم وخياناتهم.
أن تقول «لا نملك أدوات المواجهة فدعوا المقاومة» ثم تصف نفسك بعالمٍ محايد، هذا تضادٌ ساذج. العلم لا يُستعمل قناعاً لشرعنة الخنوع.
إن المدّعين الأكاديميين الذين يتحولون إلى أبواقِ استسلامٍ أو إلى مروِّجين للتطبيع في بلادهم، هم شركاء عمليّون في تدمير القضية — ليس معنوياً فقط، بل واقعياً. موقفه يتقاطع في النتيجة مع خطاب المطبعين: كلاهما يقدّم للفِعل المناوئ للمقاومة بيئةً شرعية ومُلبّسة بالمسوّغات «العقلانية».
لا يحق لأحد أن يحرم الشعوب من حقّها في المقاومة تحت شعار «الحكمة الباردة» بينما هو لم يحتمل مشهداً إنسانياً واحداً. استعمال صور الجوع والوجع لتبرير الاستسلام المعنوي هو تكتيك يشوّه الذاكرة ويصنع يأساً منظّماً. هذا ليس تحليلاً سياسياً، بل سياسة إحباط تعمل لصالح الصهاينة الذين يريدون قتلنا جميعا.
من يرفض المحاسبة القانونية والشفافية ثم يصف كلّ نقد بمسمّى «خيانة» هو نفسه يخون؛ يخون بلطفه وبتقويضه الشرعية الداخلية ( أي: يخون بأسلوبٍ ناعمٍ ومخادع، لا بالصدام المباشر — في إشارة إلى خيانةٍ مغلّفة بالخطاب الأكاديمي أو الإنساني المزعوم ) .وفي بلادٍ فيها مطبّعون ينتظرون مثل هذه الحجج لتمرير اتفاقيات وخيانات أكبر، يصبح هذا التافه عنصراً مفيداً لهم برضا أو بغير وعي. لا فرق — النتيجة واحدة: تغذية مشروع التطبيع وإضعاف الموقف الوطني.
دعنا نسمي الأشياء بأسمائها — هذا الكلام الذي يصرّف الألم الشعبي إلى مَسَاحات من الخوف والتبرير الزائف ليس نقداً موضوعيّاً بل هو نفاق أخلاقي مقنّع. من يرفع لواء «التحفّظ الأخلاقي» بينما يبرّر أو يخفّف من مسؤولية القوة القائمة عن جرائم طالت المدنيين، لا يريد الحقيقة بل يريد تفريغ المحصّلة من أيّ طاقة مقاومة حقيقية. من يضع كلّ المشكلات على كاهل «المغامرة» و«التهوّر» يتجاهل البديهي: أممٌ تحرّرت لم تكن تنتظر إذناً لوجودها، بل تحرّكت رغم القهر.
أقول لهؤلاء: كفاكم تمثيلاً للموضوعية وأنتم تقفزون على الحقائق لتبرير أقوالٍ تخدم أعداء الشعب. إن أردتم أن تكونوا مفكرين أو أكاديميين فعلاً، فلتعرضوا أدلتكم، ولتوقفوا التجييش العاطفي ضدّ من يطالب بالشفافية والعدالة. أما إن كان هدفكم تلميع صور أنظمة جاهزة للتطبيع فاعلموا أن التاريخ لا يرحم المدعوّين إلى الخيانة بلباسِ المنطق.
هذا المدّعي علمياً تافه أخلاقياً وسياسياً؛
موقفه لا يختلف جذرياً عن موقف المطبعين في بلده — إنه نفس المصلحة، بصيغةٍ مغايرة؛
يجب فضح مثل هؤلاء، وليس تبرئتهم تحت حججٍ كاذبة عن «الواقعية» و«البراغماتية»؛
النقد البناء مسموح، لكن تمويه الخيانة بمصطلحات علمية غير مقبول ويجب مواجهته بحزم.