
شكّلت الضربة الإسرائيلية على إيران تحولاً خطيراً في ميزان الردع الإقليمي، ووضعت طهران أمام ثلاثة خيارات: رد عسكري نوعي، امتصاص الضربة، أو العودة إلى التفاوض بشروط غير متكافئة. كل سيناريو يحمل تداعيات جيوسياسية عميقة على استقرار المنطقة ومستقبل الدور الإيراني.
السيناريو الأول: رد نوعي يقلب المعادلات
يرتكز هذا السيناريو على فرضية إحداث صدمة ردعية عبر ردّ عسكري مباشر أو غير تقليدي يستهدف مواقع حيوية داخل إسرائيل، مع توظيف تكنولوجيا متقدمة (صواريخ فرط صوتية، طائرات مسيّرة طويلة المدى، أو هجمات سيبرانية عميقة). الهدف من هذا الخيار ليس الرد بالمثل فحسب، بل فرض معادلة جديدة تقوم على تثبيت الردع المتبادل وإعادة رسم الخطوط الحمر.
نجاح هذا السيناريو قد يرفع منسوب الردع الإيراني، ويعزز من مكانة طهران في معادلة القوى الإقليمية، ويبعث برسالة مزدوجة إلى الداخل ولحلفاء طهران الإقليميين بأنها لا تزال قادرة على المبادرة. غير أن هذا السيناريو ينطوي على خطر كبير يتمثل في فتح الباب أمام تصعيد أوسع، وربما نزاع مفتوح قد يتوسع ليشمل أطرافاً فاعلة في المحور الذي تقوده الجمهورية الإسلامية، ويستدعي تدخلاً أميركياً مباشراً، ما يهدد بتحول الأزمة إلى مواجهة شاملة.
السيناريو الثاني: امتصاص الضربة ضمن سياسة “الرد البارد”
يعكس هذا السيناريو خياراً براغماتياً يقوم على امتصاص الضربة وتفادي المواجهة المباشرة، عبر الاكتفاء بإدانة رسمية وتصعيد إعلامي، وردود موضعية مباشرة محدودة المستوى، أو عبر أطراف غير مباشرة في ساحات ثالثة أو الساحة السيبرانية. يعتمد هذا النهج على استراتيجية “الزمن الطويل” التي استخدمتها طهران مراراً، خصوصاً حين تكون الظروف الداخلية أو الإقليمية غير مؤاتية للتصعيد.
ورغم أن هذا السيناريو يجنّب البلاد الانزلاق نحو حرب مفتوحة، إلا أنه يحمل معه كلفة استراتيجية خفيّة، أبرزها اهتزاز صورة الردع الإيراني، وتعميق الفجوة بين الخطاب والممارسة، لا سيما في لحظة حرجة تتراجع فيها مكانة إيران الاقتصادية، وتزداد فيها هشاشة الجبهة الداخلية. كما أنه قد يفسَّر كإشارة ضعف تُغري خصوم إيران بالمزيد من التصعيد الذي قد يفضي إلى انهيار داخلي، وقد تدفع حلفاءها إلى إعادة النظر في مدى قدرتها على توفير الحماية السياسية أو العسكرية.
ثم إن هذا السيناريو قد يشجع إسرائيل على الذهاب بعيداً في مشروع إسقاط إيران، وهو ما أشار إليه مسؤولون أميركيين تحدثوا لشبكة “سي أن أن” عن أن القصف الإسرائيلي المستمر لإيران يثير تساؤلات عن سعي إسرائيلي لتغيير النظام، وأن إسرائيل ترى في الهجوم فرصة لتغيير النظام الإيراني، في حين يبقى من غير الواضح ما إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستدعم إسرائيل في تلك الجهود لتغيير النظام.
السيناريو الثالث: الانخراط التفاوضي تحت سقف الإكراه
يفترض هذا السيناريو أن الضربة الإسرائيلية أكثر من مجرد فعل تكتيكي، وأنها رسالة استراتيجية تدفع إيران نحو العودة إلى طاولة التفاوض بشروط غير متكافئة، وربما في إطار جديد يعيد تدوير اتفاق نووي أكثر تقييداً. وفي حال قبلت طهران هذا المسار، سيكون ذلك مؤشراً على تبدّل في منطق القرار السياسي الإيراني، مدفوعاً بتوازنات القوة الراهنة لا برغبة ذاتية في التسوية.
لكن هذا الخيار يتطلب من القيادة الإيرانية تهيئة بيئة داخلية قابلة لاستيعاب مثل هذا التحول، كما يتطلب قبولاً ضمنياً من المؤسسة السياسية-الأمنية بالتراجع النسبي عن بعض الثوابت. الخطر هنا لا يقتصر على فقدان أوراق القوة التفاوضية، بل قد يتعمّق ليشمل أزمة مشروعية داخلية في مواجهة التيارات المتشددة التي ستعتبر أي تسوية من هذا النوع “خيانة لتضحيات العقود الماضية”.